ترجمة الإمام البربهاري [ مزيدة - جديدة - كاملة ]

ترجمة البربهاري إمام أهل السنة والجماعة في عصره
اسمه ، وكنيته ، ونسبه :
   هو الإمام الحافظ المتقن الثقة الفقيه المجاهد شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره أبو محمد الحسن ابن علي بن خلف البربهاري بفتح الباء الموحدة  وسكون الراء المهملة أيضاً ، وفتح الباء الثانية أيضاً ، والراء المهملة أيضاً بعد الهاء والألف ، وهذه نسبة ٌ([1]) إلى بربهار ، وهي الأدوية التي تجلب من الهند .
موطنه ، ونشأته :
    قال الشيخ الردادي : ( لم تذكر المصادر المتوفرة بين أيدينا شيئا عن مولده ونشأته ؛ لكن يبدو لي أنَّه بغدادي المولد والنشأة ، وذلك لذيع صيته وشهرته فيها بين عامَّة الناس ، فضلاً عن خاصَّتهم ، وقد صحب البربهاري جماعةٌ من أصحاب إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله وأخذ العلم عنهم ، وجلُّهم بغداديون كما يأتي بيانه ، وهذا مما يدل على أنَّه نشأ في وسطٍ علمي سنِّي مما كان له كبير الأثر على شخصيته ) ([2])انتهى ، وقال الشيخ القحطاني : ( فقد صحب جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم الإمام أحمد بن محمد أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد ، وأحد نجباء تلاميذه ، وصحب أيضاً سهل بن عبد الله التستري ، وروى عنه قوله : إنَّ الله خلق الدنيا ، وجعل فيها جهَّالاً ، وعلماء ، وأفضل العلم ما عمل به  والعلم كله حجة إلاَّ ما عمل به ، والعمل به بهاء إلاَّ ما صحَّ ، وما صحَّ فلست أقطع به إلاَّ باستثناء ما شاء الله ) ([3]) انتهى .
هيبته ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
    قال الشيخ الردادي : ( لقد كان الإمام البربهاري رحمه الله إماماً مهيباً قوَّالاً بالحق ، داعيةً للسنة واتباع الأثر ، له صيتٌ عند السلطان وجلالة  وكان مجلسه عامراً بحلق الحديث والأثر والفقه يحضره كثيرٌ من أئمة الحديث والفقه ، قال أبو عبد الله الفقيه : إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار ، وأبا محمد البربهاري ، فاعلم أنَّه صاحب سنة ) ([4]) انتهى  قال الشيخ القحطاني : ( لقد ذكر المؤرخون قصةً تبيِّن عظم مكانة هذا الإمام فقد سرق القرامطة الحُجَّاج ، فقام فقال : يا قوم من كان يحتاج إلى معاونة بمائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار ومائة ألف دينار خمس مرات عاونته . قال ابن بطة : لو أرادها معاونة لحصَّلها من الناس ) انتهى .
  قال الشيخ الردادي : ( وأمَّا عن ثناء العلماء عليه فكثير : قال ابن أبي يعلى : … شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد ، واللسان ، وكان له صيتٌ عند السلطان ، وقدم عند الأصحاب ، وكان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المؤمنين . وقال الذهبي في العبر : … الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق قالاً ، وحالاً ، وحلالاً ، وكان له صيتٌ عظيم ، وحرمة تامة . وقال ابن الجوزي : جمع العلم ، والزهد ، وكان شديداً على أهل البدع . وقال ابن كثير : العالم الزاهد الفقيه الحنبلي الواعظ … وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي ، وكان كبير القدر تعظّمه الخاصة والعامة ) انتهى .
    وقال الشيخ القحطاني : ( ومما يدل على مكانته أنَّ أبا عبد الله بن عرفة المعروف بِنَفْطَوَيه لما مات في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة حضر جنازته أماثل أبناء الدنيا والدين ، وقدم البربهاري لإمامة الناس ، وفي هذه السنة ازدادت حشمة البربهاري ، وعلت كلمته ، وظهر أصحابه  وانتشروا في الإنكار على المبتدعة ، فبلغنا أنَّ البربهاري اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمَّته أصحابه ، فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنه([5])فسأل عن الحال ، فأخبر بها ، فاستهولها ) ([6]) انتهى .
زهده وورعه :
  قال الشيخ القحطاني : ( اشتهر البربهاري بالزهد في متاع الدنيا ، زهد الذي يملك الدنيا ولكن يضعها في كفه . أمَّا حبُّ الله ورسوله  وإعلاء الحق ، ففي قلبه ، ولذا ذكر المترجمون له أنَّه رحمه الله تنـزه من ميراث أبيه عن سبعين ألف درهم )([7]) انتهى .
تلاميذه :
    قال الشيخ الردادي : ( لقد أخذ العلم عن هذا الإمام عددٌ كبيرٌ من طلاب العلم واستفادوا منه ، فقد كان رحمه الله قدوةً في حاله ، ومقاله ، ومن هؤلاء التلاميذ :
1. الإمام القدوة الفقيه أبو عبد الله بن عبيد الله بن محمد العكبري الشهير بابن بطة توفي في المحرم من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ([8]).
2. والإمام القدوة الناطق بالحكمة محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي أبو الحسين بن سمعون الواعظ صاحب الأحوال والمقامات توفي في نصف ذي القعدة من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ([9]) .
3. أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة أبو بكر راوي هذا الكتاب عن المؤلف .
4. محمد بن خلف بن عثمان أبو بكر قال الخطيب : وكان فيما بلغني يظهر التقشف وحسن المذهب إلاَّ أنَّه روى مناكير وأباطيل([10]) ) انتهى .
بعض أقواله :  قال الشيخ القحطاني : يقول البربهاري مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم وأيديهم في التراب ، ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا ، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما أرادوا ([11]).
    ومن أقواله النافعة قوله : المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة ([12]) ، ومن شعره قوله : 
من قنـعت نفسه ببلغتـها ::: أضحـى غنياً وظلَّ ممتنـعاً
لله درُّ القنـوع من خـلقٍ ::: كـم من وضيعٍ به قد ارتفعا
تضيق نفس الفتى إذا افتقرت ::: ولو تعـزَّى بربـه اتسعـا([13])

مصنفاته :

    قال الشيخ الردادي : ( ذكر المترجمون له أنَّ له مصنفات عديدة بيد أنِّي لم أظفر له بكتابٍ سوى هذا الكتاب ) انتهى .
محنته ووفاته : قال الشيخ القحطاني : ( امتحن هذا الإمام كما امتحن الصالحون من قبله ، فقد كانت المبتدعة تغيظ قلب السلطان عليه ، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره بن مقلة تقدَّم بالقبض على البربهاري ، فاستتر ، وقبض على جماعةٍ من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة ، فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط الله عليه القاهر بالله  وهرب ابن مقلة ، وعزله القاهر عن وزارته ، وطرح في داره النار ، ثمَّ قبض على القاهر بالله سنة 322  هـ وحبس ، وخلع من الخلافة ، وسمرة عيناه حتى سالتا جميعاً فعمي([14])  .
    ثم جاء الخليفة الراضي ، فلم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد ألاَّ يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان ، فاستتروا ، وكان ينـزل بالجانب الغربي بباب محول فانتقل إلى الجانب الشرقي مستتراً فتوفي في الاستتار في رجب سنة 329 هـ وله ستٌّ وتسعون سنة ، وقيل بل عاش سبعاً وسبعين سنة ، وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية )([15]) انتهى .
    قال الشيخ الردادي حفظه الله نقلاً عن ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة قال : ( حدثني محمد ابن الحسن المقري قال : حكى لي جدي وجدتي قالا : كان أبو محمد البربهاري قد اختبأ عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة  فبقي نحواً من شهر فلحقه قيام الدم  فقالت أخت توزون لخادمها : مات البربهاري عندها مستتراً انظر من يغسله ؟ فجاء بالغاسل فغسله ، وغلَّق الباب حتى لا يعلم أحد ، ووقف يصلي عليه وحده فطالعت صاحبة المنـزل فرأت الدار ملأ رجالاً عليهم ثياب بيضٌ وخضر ، فلَّما سلَّم لم تر أحداً ، فاستدعت الخادم ، وقالت يا حجام : أهلكتني  مع أخي  فقال يا ستي ما رأيت ؟ فقالت نعم ، فقال : هذه مفاتيح الباب وهو مغلق  فقالت : أدفنوه في بيتي فإذا مت فادفنوني
عنده …) انتهى .
    وبذلك أيها الاخوة القراء انتهت ترجمة هذا الإمام الجهبذ رحمه الله والتي ما هي إلا إشاراتٌ واضحة على جلالة قدره ، وعلو شأنه بين أهل العلم ولمزيدٍ من التقصي عن سيرته رحمه الله كما أشار إلى ذلك الشيخ الردادي حفظه الله ، فليرجع في ذلك إلى المصادر التالية علَّ النفس تتأسى بما كان عليه الإمام البربهاري من العلم والعمل الصالح ، وما حباه الله من الزهد في الدنيا ، وتقديم ما يبقى على ما يفنى ، فنسأل الله أن يتغمده بواسع فضله ورحمته وسائر علماء المسلمين الأحياء منهم والميتين ، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين :

1. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ( 2 / 18 – 45 ) .
2. المنتظم لابن الجوزي ( 14 / 14 – 15 ) . 
3. الكامل في التاريخ لابن الأثير ( 8 / 378 ) . 
4. العبر في خبر من غبر للذهبي ( 2 / 33 ) .
5. سير أعلام النبلاء  للذهبي ( 15 / 90 – 93 ) .   
6. تاريخ الإسلام للذهبي ( حوادث ووفيات 321  - 330 هـ  ص258 – 260 ) .
7. البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 213 – 214 ) .   
8. الوافي بالوفيات للصفدي ( 12 / 146 – 147 ) .
9. مرآة الجنان لليافعي ( 2 / 286 – 287 ) . 
10.شذرات الذهب لابن العماد ( 2  / 319 – 323 ) .
11. المنهج الأحمد للعليمي ( 2 / 26 – 39 ) .
12.المقصد الأرشد لابن مفلح ( 1 / 288 – 230 ) . 
13. مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( ص512 – 513 ) .  
14. جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر ليوسف ابن عبد الهادي
(ل / 81 ب ) .  
15- الأعلام للزركلي : ( 2 / 201 ) .
16. معجم المؤلفين لرضا كحالة ( 3 / 253 ) .
17. تاريخ التراث العربي لسزكين ( 1 / 3 / 334 – 235 ) انتهى .
.........................................................
( 1)   قال الشيخ الردادي : ( انظر في نسبته الأنساب للسمعاني ( 1 / 307 ) واللباب لابن كثير ( 1 / 133 ) ) اهـ .
(2)     قال الشيخ الردادي : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 64 ) ) اهـ .
(3)     قال الشيخ القحطاني : ( طبقات الحنابلة ( 2 / 43 ) ) اهـ .
(4)     قال الشيخ الردادي : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 58 ) ) اهـ .
(5)     أي في بيته أو قصره .
(6)     قال الشيخ القحطاني : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 44 ) ) اهـ
(7)     قال الشيخ القحطاني : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 43 ) ) اهـ .
(8)     قال الشيخ الردادي انظر : انظر ترجمته في العبر ( 2 / 171 ) والسير ( 16 / 529 )  اهـ .
(9)   قال الشيخ الردادي انظر : ( ترجمته في العبر ( 2 / 172 ) والسير ( 16 / 505 )  اهـ . =
(10)     =  قال الشيخ الردادي انظر : ( ترجمته في تاريخ بغداد ( 3 / 225 ) والميزان ( 4 / 28 ) ) اهـ .
(11)      قال الشيخ القحطاني أنظر : المنهج الأحمد 3/37  أ هـ .
(12)      قال الشيخ القحطاني انظر : ( سير أعلام النبلاء 15 / 91 والطبقات 2 / 43 ) اهـ
(13)      قال الشيخ القحطاني انظر : ( الوافي بالوفيات 12 / 146 ) اهـ .
(14)     قال الشيخ القحطاني انظر : ( الطبقات 2 / 38 ) اهـ .
(15)     قال الشيخ القحطاني انظر : ( طبقات الحنابلة 2 / 44 وسير أعلام النبلاء 15 / 93 والنهج الأحمد 2 / 38 ) اهـ .

سطرها : الفقير إلى رحمة ربه حسن بن محمد بن منصور دغريري
أكمل قراءة الموضوع Résuméabuiyad

الحمد لله الذي هدانا للإسلام و منَّ علينا به ، وأخرجنا في خير أمة ، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى ، والحفظ مما يكره ويسخط

قال البربهاري - رحمه الله - في شرح السنة : الحمد لله الذي هدانا للإسلام و منَّ علينا به ، وأخرجنا في خير أمة ، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى ، والحفظ مما يكره ويسخط .
شرح الشيخ صالح الفوزان :: هذه خطبة الكتاب ، فبدأ بـ "الحمد لله" ، عملًا بالسنة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمدُ الله ويثني عليه في كتاباته ومخاطباته ، وهكذا كان السلف الصالح وأهلُ العلم ، يبدؤون كتبَهم بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وبـ "الحمد لله رب العالمين" اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان إذا أراد أن يخطبَ أو يتكلم أو يُنبِّه على شيء ؛ يحمد الله ويثني عليه (1) ، ثم يبيِّنُ ما يريد بيانَهُ عليه الصلاة والسلام ، فالمؤلف نَهَجَ هذا المنهج مقتديًا بمن سلف وهو البَداءةُ بـ " الحمد لله " .
ومعنى "الحمد لله" أي: جميعُ المحامدِ لله عزَّ وجلَّ ، و"الحمد" : هو المدحُ والثناء على الممدوح. فالله جلَّ وعلا يُحمَدُ لذاته ويُحمَدُ لأسمائه وصفاته ، ويُحمَدُ سبحانه على أفعاله ، فله جميع أنواع الحمد ، لأن جميع النعم منه سبحانه ، وأما غيره فيُحْمَدُ على قدر ما يُسْدِي من الجميل ، ولكنَّ الحمدَ المطلَقَ الشاملَ هو لله عزَّ وجل ، فلا يجوز إلا لله ، كما في القرآن : الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 2-3] الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام : 1] الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [فاطر : 1]
أما أن تقول : "أشكرُ فلانًا" ، أو "أحمدُ فلانًا على كذا وكذا" ، بمعنى تخصيص الشيء الذي من أجله حمَدتَهُ أو شكرته عليه فلا بأس ، أمَّا أن تقول : "الحمد لفلان" فهذا لا يجوز إلا في حق الله سبحانه وتعالى .
و "الله" اسمٌ من أسمائه تعالى ، ومعناه : المألوه المعبود ، لأنَّ الألوهية معناها العبودية .
وهو اسمٌ لا يُطلق إلا على الله ، ولم يَتَسَمَّ به أحدٌ غيرَ الله أبدًا ، حتَّى الجبابرة والكفرة والملاحدة ما منهم أحدٌ سمَّى نفسه "الله" ، فرعون ما قال : "أنا الله" ، وإنما قال : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" [النازعات : 24] ، فهذا اسمٌ خاصٌ بالله عزَّ وجلَّ .
و "رب العالمين" الربُّ معناه : المالك المتصرِّفُ ، و"العالمين" : جمعُ عالَم ، وهو جميع المخلوقات ، والله هو ربُّها وخالقها ومدبِّرُها ومعبودُها وإلَهُهَا . 
قوله : "الحمد لله الذي هدانا للإسلام" الإسلام أكبر نعمة ، قال تعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا" [المائدة: 3]. فبالإسلام تمَّت النعمة على المسلمين ، والله جلَّ وعلا يقول : "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا " [يونس : 58] ، فضلُ الله : هو الإسلام ، والرحمة هي القرآن ، فليفرحوا بالإسلام وبالقرآن . 
وهذا فيه الاعتراف منك بأن الفضل لله في هدايتك للإسلام ، بإرشادك إليه ، وتثبيتك عليه ، هذا فضلٌ من الله ، لا بحولك ، ولا بقوَّتِك ، وإنما هو توفيقٌ من الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي هداك ، ولذلك يقول أهلُ الجنة إذا دخلوا الجنة يوم القيامة : "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ" [الأعراف : 43] .
قوله : "ومَنَّ علينا به" الإسلام مِنِّةٌ من الله سبحانه وتعالى ، وإلا فالله لا يَجِبُ عليه شيءٌ لأحد ، وإنما هو يتفضل على عباده بالإسلام، وبالنعم ، وبالعافية ، وبالأرزاق . 
قوله : "وأخرجنا في خير أمة" أخذًا من قوله تعالى : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" [آل عمران : 110] فقوله : "كنتم" هذا خطابٌ للمسلمين ، "خير أمة" أي خيرَ الأمم ، و"الأمَّة" المرادُ بها الجماعة ، " خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" تأمَّل قوله : "للناس" ، فخيرُ هذه الأمة لا يقتصر عليها ، وإنما يتعدَّى للناس في الدعوة والجهاد والتعليم والإرشاد ، لا يكفي أن يتعلم الإنسان ويعمل في نفسه ويترك الآخرين ، بل لا بد أن ينشر الدعوة ، وينشر العلم ، وينشر الخير ، ويدعو إلى الله ، ويأمر بالمعروف وينههى عن المنكر، فيكون عُضوًا عاملًا في مجتمع المسلمين ، فقوله : " أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" معناه : ما أُخرجوا لأنفسهم فقط ، وإنما أَخرجهم الله للناس .
قوله : "فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى" الإنسان يسأل الله الثبات ، ولو كان يعرف الحق ، ويعمل به ، ويعتقده ، فلا يأمن أن يزيغ وأن يُفتَن ، بأن تأتي فتنٌ وتجتاحه ، ويضل عن سبيل الله ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "يا مقلب القلوب ثبَّت قلبي على دينك" (2) ، وقال الخليل عليه الصلاة والسلام في دعائه : " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ" [إبراهيم : 35 ، 36 ] ، خاف على نفسه ، وهكذا كلما قَوِيَ إيمانُ الإنسان بالله فإنه يخاف ولا يأمن الفتن ، ولا يُزَكِّي نفسَه ، بل يسأل اللهَ الثبات ، وحُسْنَ الخاتمة دائمًا وأبدًا ، ويخافُ من سُوْءِ الخاتمة ، ويخافُ من الفتن ، ويخاف من الزيغ والضلال ، ومن دعاة السوء.
قوله : "والحفظَ مما يكرهُ ويَسْخَط" فيوفقنا لما يحب ويرضى من الأعمال والأقوال والاعتقادات ، ويجنبنا ما يُسخطه من الأقوال والأعمال والاعتقادات ، فهو الهادي سبحانه وتعالى ، وهو الموفِّقُ ، وهو الدالُّ والمُرْشِد. [إتحاف القاري بالتعليقات على شرح السنة للإمام البربهاري]

(1) كما في قصة ضِماد الأزدي رضي الله عنه ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح كلامه بقوله : " إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، أما بعدُ" رواه مسلم في صحيحه (2/593 رقم 868) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند (4/182) ، وابن ماجة في سننه (رقم 199) ، والنسائي في السنن الكبرى (رقم 7738) ، وابن حبان في صحيحه (رقم 934) ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/525) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وقال البوصيري في مصباح الزُّجَاجة (1/27) : "إسناده صحيح".

أكمل قراءة الموضوع Résuméabuiyad

ترجمة الإمام البربهاري - سيرة البربهاري

ترجمة الإمام البربهاري رحمه الله
أولاً : اسمه ونسبه :
هو شيخ الحنابلة ، القدوة الإمام ، الحافظ المتقن ، الثقة الفقيه أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الباء الثانية أيضاً والراء المهملة أيضاً بعد الهاء الألف ، نسبة إلى بربهار وهي الأدوية التي تجلب من الهند .
ثانياً : حياته :
نشأ أبو محمد وسط بيئة علمية جيدة ،فقد جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم الإمام أحمد بن محمد أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد وأحد نجباء تلاميذه ، وصحب أيضاً سهل بن عبد الله التستري وروى عنه قوله :
(( إن الله خلق الدنيا ، وجعل فيها جهالاً وعلماء ، وأفضل العلم ما عمل به والعلم كله حجة إلاّ ما عمل به ، والعمل به هباء إلا ما صح ، وما صح فلست أقطع به إلاّ باستثناء ما شاء الله )).
ثالثاً : هيبته ومكانته :
كان الإمام البربهاري قوّالاً بالحق ، داعية إلى الأثر ، لا يخاف في الله لومة لائم وكان شديد الإنكار على أهل البدع ولأهواء شديد المباينة لهم باليد واللسان ، صاحب صيت عند السلطان .
ولقد ذكر المؤرخون قصة تبينّ عظم مكانة هذا الإمام فقد سرق القرامطة الحُجّاج فقام فقال : يا قوم من كان يحتاج إلى معاونة بمئة ألف دينار ومئة ألف دينار ومئة ألف دينار خمس مرات – عاونته .
قال ابن بطة : لو أرادها معاونة لحصلها من الناس .
ومما يدل على مكانته أن عبد الله بن عرفة المعروف بنفطوية لما مات في صفر سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة ( حضر جنازته أماثل أبناء الدنيا والدين فقدم البربهاري لإمامة الناس ، وفي هذه السنة ازدادت حشمة البربهاري ، وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة فبلغنا أن البربهاري اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمته أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنة فسأل عن الحال ؟ فأخبر بها فاستهولها )
رابعاً : زهده وورعه :
اشتهر البربهاري بالزهد في متاع الدنيا ، زهد الذي يملك الدنيا ولكن يضعها في كفه ، أما حب الله ورسوله وإعلاء الحق ففي قلبه . ولذا ذكر المترجمون له أنه رحمه الله تنزه من ميراث أبيه عن سبعين ألف درهم .
خامساً : موقفه من أهل البدع :
لعل أكبر وأجل صفة اشتهر بها الإمام البربهاري هي الإنكار الشديد على أهـل
البدع ، ولقد كان عصره عصراً تموج فيه الأهواء والضلالات وتذهب بالناس مذاهب شتى فكان أبو الحسن من حاملي لواء السنة وقمع البدعة .ولذلك لما دخل أبو الحسن الأشعري إلى بغداد وجاء إلى البربهاري فجعل يقول : رددت على الجبائي ، وعلى أبي هاشم ، ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس ، وقلت لهم وقالوا ، وأكثر الكلام في ذلك فلما سكت قال البربهاري : ما أدري مما قلت قليلاً ولا كثيراً ولا نعرف إلاّ ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، فخرج الأشعري من عنده وصنّف كتاب ( إبانة) فلم يقبله منه ، ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها .
وذكر ابن بطة أن بعض المحبين للبربهاري ممن يحضر مجلسه من العوام مرّ وهو سكران على بدعي فقال البدعي : هؤلاء الحنبلية ، فرجع إليه وقال : الحنبلية على ثلاثة أصناف ، صنف زهاد يصومون ويصلون ، وصنف يكتبون ويتفقهون ، وصنف يصفعون كل مخالف مثلك وصفعة وأوجعه .
ولكي يتضح موقف البربهاري من أهل البدع إليك بعض أقواله فيهم ....
سادساً : بعض أقواله :
يقول البربهاري : مثل أصحاب البدع مثل العقارب ،يدفنون رؤوسهم وأيديهم في التراب ، ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا ، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما أرادوا .
ومن أقواله النافعة قوله : المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة .
ومن شعره قوله :
(شعرمن قنعت نفسه ببلغـتها+ أضحى غنيـاً وظل ممتنعاً
لله در القنـوع مـن خلق+ كم من وضيع به قد ارتفعاً
تضيق نفس الفتى إذا افتقرت+ ولو تـعزي بربه اتسـعا)

سابعاً : تلاميذه :
لما كان البربهاري بهذه المكانة ورفعة المنزلة فقد اجتمع عليه طلاب العلم ينهلون من علمه ويقتدون به في خلقه وسمته . فممن روى عنه : أبو بكر محمد بن محمد بن عثمان ، وابن بطة العكبري ، وأبو الحسنين بن سمعون وغيرهم .
ثامناً : مصنفاته :
لم يعثر على شيء منها إلا كتاب السنة.
تاسعاً : محنته ووفاته :
امتحن هذا الإمام كما امتحن الصالحون من قبله ، فقد كانت المبتدعة تغيظ قلب السلطان عليه . ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره ابن مقلة تقدم بالقبض على البربهاري فاستتر ، وقبض على جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة ، فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط الله عليه القاهر بالله وهرب ابن مقلة وعزله القاهر عن وزارته وطرح في داره النار ، فقبض على القاهر بالله سنة 322هـ وحبس وخلع من الخلافة وسلمت عيناه حتى سالتا جميعاً فعمي .
ثم جاء الخليفة الراضي فلم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان ، فاستتروا وكان ينزل بالجانب الغربي بباب محول ، فانتقل إلى الجانب الشرقي مستتراً فتوفي في الاستتار في رجب سنة 329هـ وله ست وتسعون سنة .وقيل بل عاش سبعاً وسبعين سنة وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

ترجمة الإمام البربهاري - سيرة البربهاري
كتاب شرح السنة للإمام البربهاري
 .
أكمل قراءة الموضوع Résuméabuiyad