ترجمة الإمام البربهاري [ مزيدة - جديدة - كاملة ]

ترجمة البربهاري إمام أهل السنة والجماعة في عصره
اسمه ، وكنيته ، ونسبه :
   هو الإمام الحافظ المتقن الثقة الفقيه المجاهد شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره أبو محمد الحسن ابن علي بن خلف البربهاري بفتح الباء الموحدة  وسكون الراء المهملة أيضاً ، وفتح الباء الثانية أيضاً ، والراء المهملة أيضاً بعد الهاء والألف ، وهذه نسبة ٌ([1]) إلى بربهار ، وهي الأدوية التي تجلب من الهند .
موطنه ، ونشأته :
    قال الشيخ الردادي : ( لم تذكر المصادر المتوفرة بين أيدينا شيئا عن مولده ونشأته ؛ لكن يبدو لي أنَّه بغدادي المولد والنشأة ، وذلك لذيع صيته وشهرته فيها بين عامَّة الناس ، فضلاً عن خاصَّتهم ، وقد صحب البربهاري جماعةٌ من أصحاب إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله وأخذ العلم عنهم ، وجلُّهم بغداديون كما يأتي بيانه ، وهذا مما يدل على أنَّه نشأ في وسطٍ علمي سنِّي مما كان له كبير الأثر على شخصيته ) ([2])انتهى ، وقال الشيخ القحطاني : ( فقد صحب جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم الإمام أحمد بن محمد أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد ، وأحد نجباء تلاميذه ، وصحب أيضاً سهل بن عبد الله التستري ، وروى عنه قوله : إنَّ الله خلق الدنيا ، وجعل فيها جهَّالاً ، وعلماء ، وأفضل العلم ما عمل به  والعلم كله حجة إلاَّ ما عمل به ، والعمل به بهاء إلاَّ ما صحَّ ، وما صحَّ فلست أقطع به إلاَّ باستثناء ما شاء الله ) ([3]) انتهى .
هيبته ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
    قال الشيخ الردادي : ( لقد كان الإمام البربهاري رحمه الله إماماً مهيباً قوَّالاً بالحق ، داعيةً للسنة واتباع الأثر ، له صيتٌ عند السلطان وجلالة  وكان مجلسه عامراً بحلق الحديث والأثر والفقه يحضره كثيرٌ من أئمة الحديث والفقه ، قال أبو عبد الله الفقيه : إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار ، وأبا محمد البربهاري ، فاعلم أنَّه صاحب سنة ) ([4]) انتهى  قال الشيخ القحطاني : ( لقد ذكر المؤرخون قصةً تبيِّن عظم مكانة هذا الإمام فقد سرق القرامطة الحُجَّاج ، فقام فقال : يا قوم من كان يحتاج إلى معاونة بمائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار ومائة ألف دينار خمس مرات عاونته . قال ابن بطة : لو أرادها معاونة لحصَّلها من الناس ) انتهى .
  قال الشيخ الردادي : ( وأمَّا عن ثناء العلماء عليه فكثير : قال ابن أبي يعلى : … شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد ، واللسان ، وكان له صيتٌ عند السلطان ، وقدم عند الأصحاب ، وكان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المؤمنين . وقال الذهبي في العبر : … الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق قالاً ، وحالاً ، وحلالاً ، وكان له صيتٌ عظيم ، وحرمة تامة . وقال ابن الجوزي : جمع العلم ، والزهد ، وكان شديداً على أهل البدع . وقال ابن كثير : العالم الزاهد الفقيه الحنبلي الواعظ … وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي ، وكان كبير القدر تعظّمه الخاصة والعامة ) انتهى .
    وقال الشيخ القحطاني : ( ومما يدل على مكانته أنَّ أبا عبد الله بن عرفة المعروف بِنَفْطَوَيه لما مات في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة حضر جنازته أماثل أبناء الدنيا والدين ، وقدم البربهاري لإمامة الناس ، وفي هذه السنة ازدادت حشمة البربهاري ، وعلت كلمته ، وظهر أصحابه  وانتشروا في الإنكار على المبتدعة ، فبلغنا أنَّ البربهاري اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمَّته أصحابه ، فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنه([5])فسأل عن الحال ، فأخبر بها ، فاستهولها ) ([6]) انتهى .
زهده وورعه :
  قال الشيخ القحطاني : ( اشتهر البربهاري بالزهد في متاع الدنيا ، زهد الذي يملك الدنيا ولكن يضعها في كفه . أمَّا حبُّ الله ورسوله  وإعلاء الحق ، ففي قلبه ، ولذا ذكر المترجمون له أنَّه رحمه الله تنـزه من ميراث أبيه عن سبعين ألف درهم )([7]) انتهى .
تلاميذه :
    قال الشيخ الردادي : ( لقد أخذ العلم عن هذا الإمام عددٌ كبيرٌ من طلاب العلم واستفادوا منه ، فقد كان رحمه الله قدوةً في حاله ، ومقاله ، ومن هؤلاء التلاميذ :
1. الإمام القدوة الفقيه أبو عبد الله بن عبيد الله بن محمد العكبري الشهير بابن بطة توفي في المحرم من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ([8]).
2. والإمام القدوة الناطق بالحكمة محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي أبو الحسين بن سمعون الواعظ صاحب الأحوال والمقامات توفي في نصف ذي القعدة من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ([9]) .
3. أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة أبو بكر راوي هذا الكتاب عن المؤلف .
4. محمد بن خلف بن عثمان أبو بكر قال الخطيب : وكان فيما بلغني يظهر التقشف وحسن المذهب إلاَّ أنَّه روى مناكير وأباطيل([10]) ) انتهى .
بعض أقواله :  قال الشيخ القحطاني : يقول البربهاري مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم وأيديهم في التراب ، ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا ، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما أرادوا ([11]).
    ومن أقواله النافعة قوله : المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة ([12]) ، ومن شعره قوله : 
من قنـعت نفسه ببلغتـها ::: أضحـى غنياً وظلَّ ممتنـعاً
لله درُّ القنـوع من خـلقٍ ::: كـم من وضيعٍ به قد ارتفعا
تضيق نفس الفتى إذا افتقرت ::: ولو تعـزَّى بربـه اتسعـا([13])

مصنفاته :

    قال الشيخ الردادي : ( ذكر المترجمون له أنَّ له مصنفات عديدة بيد أنِّي لم أظفر له بكتابٍ سوى هذا الكتاب ) انتهى .
محنته ووفاته : قال الشيخ القحطاني : ( امتحن هذا الإمام كما امتحن الصالحون من قبله ، فقد كانت المبتدعة تغيظ قلب السلطان عليه ، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره بن مقلة تقدَّم بالقبض على البربهاري ، فاستتر ، وقبض على جماعةٍ من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة ، فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط الله عليه القاهر بالله  وهرب ابن مقلة ، وعزله القاهر عن وزارته ، وطرح في داره النار ، ثمَّ قبض على القاهر بالله سنة 322  هـ وحبس ، وخلع من الخلافة ، وسمرة عيناه حتى سالتا جميعاً فعمي([14])  .
    ثم جاء الخليفة الراضي ، فلم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد ألاَّ يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان ، فاستتروا ، وكان ينـزل بالجانب الغربي بباب محول فانتقل إلى الجانب الشرقي مستتراً فتوفي في الاستتار في رجب سنة 329 هـ وله ستٌّ وتسعون سنة ، وقيل بل عاش سبعاً وسبعين سنة ، وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية )([15]) انتهى .
    قال الشيخ الردادي حفظه الله نقلاً عن ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة قال : ( حدثني محمد ابن الحسن المقري قال : حكى لي جدي وجدتي قالا : كان أبو محمد البربهاري قد اختبأ عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة  فبقي نحواً من شهر فلحقه قيام الدم  فقالت أخت توزون لخادمها : مات البربهاري عندها مستتراً انظر من يغسله ؟ فجاء بالغاسل فغسله ، وغلَّق الباب حتى لا يعلم أحد ، ووقف يصلي عليه وحده فطالعت صاحبة المنـزل فرأت الدار ملأ رجالاً عليهم ثياب بيضٌ وخضر ، فلَّما سلَّم لم تر أحداً ، فاستدعت الخادم ، وقالت يا حجام : أهلكتني  مع أخي  فقال يا ستي ما رأيت ؟ فقالت نعم ، فقال : هذه مفاتيح الباب وهو مغلق  فقالت : أدفنوه في بيتي فإذا مت فادفنوني
عنده …) انتهى .
    وبذلك أيها الاخوة القراء انتهت ترجمة هذا الإمام الجهبذ رحمه الله والتي ما هي إلا إشاراتٌ واضحة على جلالة قدره ، وعلو شأنه بين أهل العلم ولمزيدٍ من التقصي عن سيرته رحمه الله كما أشار إلى ذلك الشيخ الردادي حفظه الله ، فليرجع في ذلك إلى المصادر التالية علَّ النفس تتأسى بما كان عليه الإمام البربهاري من العلم والعمل الصالح ، وما حباه الله من الزهد في الدنيا ، وتقديم ما يبقى على ما يفنى ، فنسأل الله أن يتغمده بواسع فضله ورحمته وسائر علماء المسلمين الأحياء منهم والميتين ، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين :

1. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ( 2 / 18 – 45 ) .
2. المنتظم لابن الجوزي ( 14 / 14 – 15 ) . 
3. الكامل في التاريخ لابن الأثير ( 8 / 378 ) . 
4. العبر في خبر من غبر للذهبي ( 2 / 33 ) .
5. سير أعلام النبلاء  للذهبي ( 15 / 90 – 93 ) .   
6. تاريخ الإسلام للذهبي ( حوادث ووفيات 321  - 330 هـ  ص258 – 260 ) .
7. البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 213 – 214 ) .   
8. الوافي بالوفيات للصفدي ( 12 / 146 – 147 ) .
9. مرآة الجنان لليافعي ( 2 / 286 – 287 ) . 
10.شذرات الذهب لابن العماد ( 2  / 319 – 323 ) .
11. المنهج الأحمد للعليمي ( 2 / 26 – 39 ) .
12.المقصد الأرشد لابن مفلح ( 1 / 288 – 230 ) . 
13. مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( ص512 – 513 ) .  
14. جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر ليوسف ابن عبد الهادي
(ل / 81 ب ) .  
15- الأعلام للزركلي : ( 2 / 201 ) .
16. معجم المؤلفين لرضا كحالة ( 3 / 253 ) .
17. تاريخ التراث العربي لسزكين ( 1 / 3 / 334 – 235 ) انتهى .
.........................................................
( 1)   قال الشيخ الردادي : ( انظر في نسبته الأنساب للسمعاني ( 1 / 307 ) واللباب لابن كثير ( 1 / 133 ) ) اهـ .
(2)     قال الشيخ الردادي : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 64 ) ) اهـ .
(3)     قال الشيخ القحطاني : ( طبقات الحنابلة ( 2 / 43 ) ) اهـ .
(4)     قال الشيخ الردادي : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 58 ) ) اهـ .
(5)     أي في بيته أو قصره .
(6)     قال الشيخ القحطاني : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 44 ) ) اهـ
(7)     قال الشيخ القحطاني : ( انظر طبقات الحنابلة ( 2 / 43 ) ) اهـ .
(8)     قال الشيخ الردادي انظر : انظر ترجمته في العبر ( 2 / 171 ) والسير ( 16 / 529 )  اهـ .
(9)   قال الشيخ الردادي انظر : ( ترجمته في العبر ( 2 / 172 ) والسير ( 16 / 505 )  اهـ . =
(10)     =  قال الشيخ الردادي انظر : ( ترجمته في تاريخ بغداد ( 3 / 225 ) والميزان ( 4 / 28 ) ) اهـ .
(11)      قال الشيخ القحطاني أنظر : المنهج الأحمد 3/37  أ هـ .
(12)      قال الشيخ القحطاني انظر : ( سير أعلام النبلاء 15 / 91 والطبقات 2 / 43 ) اهـ
(13)      قال الشيخ القحطاني انظر : ( الوافي بالوفيات 12 / 146 ) اهـ .
(14)     قال الشيخ القحطاني انظر : ( الطبقات 2 / 38 ) اهـ .
(15)     قال الشيخ القحطاني انظر : ( طبقات الحنابلة 2 / 44 وسير أعلام النبلاء 15 / 93 والنهج الأحمد 2 / 38 ) اهـ .

سطرها : الفقير إلى رحمة ربه حسن بن محمد بن منصور دغريري